الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: شرح السير الكبير **
وما يجوز فعله بالغنائم في دار الحرب من القسمة وغير ذلك قال رضي الله عنه: قد بينا أنه لا ينبغي للإمام أن يقسم الغنائم في دار الحرب ولا يبيعها وإن كان لو فعل ذلك نفذ منه إلا أن يحتاج المسلمون إليها فعند الحاجة تقسم الثياب والسلاح بينهم بعد رفع الخمس لأن ما يشبه القسمة يجوز له أن يفعله قبل الإصابة عند الحاجة أجوز لأنه إنما لا يقسم مراعاة لحق المدد كي لا تقل رغبتهم في اللحوق بالجيش وعند الحاجة مراعاة جانب الذين هم معهم أولى. فأما الرقيق فلا تتحقق الحاجة إلى قسمتهم في دار الحرب فلا يتأكد الحق فيهم أيضاً حتى حل للإمام قتلهم فلا ينبغي له أن يقسمهم قبل الإحراز بالدار فإن لم يكن معه ظهر يحمل عليه الغنائم نظر فإن كانت في الغنائم دواب فليحمل عليها الغنائم وإن لم يكن وكان مع عامة الجيش فضل حمولة حمل الغنائم عليها لأن الغنائم حقهم والدواب كذلك لهم ففي الحمل عليها مراعاة النظر لهم فلا يمتنع ذلك لأجل الخمس فإنه تبع لحق الغانمين على أنه يستحق بإصابتهم وثبوت الحكم في البيع كثبوته في الأصل. وإن كانت فضل الحمولة مع خواص منهم فإن طابت أنفسهم بأن تحمل الغنائم عليها فعل وإن أبوا لم يكرههم على ذلك لأن الدواب للخاص منهم والغنيمة لعامتهم فاعتبار جانب غير صاحب الدابة يمنعه من حملها على دابته بغير رضاه وليس حق البعض تبع لحق البعض. ألا ترى أنه لو أراد أن يحمل بعضهم على دواب البعض لم يكن له ذلك بينهم حتى يتولى كل واحد منهم حمل نصيبه بالطريق الذي يمكنه لأن الحاجة قد تحققت إذ لو لم يقسم في هذه الحالة احتاج إلى تركها وفيه أبطال حقهم عنها أصلاً. وإن كان بحضرته تجار يشترون ذلك فلا بأس بأن يبيعها منهم لأنه لما جاز له القسمة في هذه الحالة جاز البيع فإن كل واحد منهما له تصرف يبتني على تأكد الحق. ثم بعد البيع يقسم الثمن بين الغانمين ولا يؤخر ذلك إلى الخروج من دار الحرب لأن نفوذ البيع يتأكد حق الغانمين وتنقطع شركة المدد معهم في الثمن فلا معنى لتأخر القسمة بعد ذلك كما بعد الإحراز بدار الإسلام. وإن رأى الإمام لأن يستأجر الحمولة من أصحابها تاجر معلوم فذلك صحيح ويكون الأجر من الغنائم يبدأ به قبل الخمس لأن في هذا الاستئجار منفعة للغانمين فهو كالاستئجار لسوق الغنم والرماك. وحق أصحاب الحمولة في ذلك لا يمنع من صحة الاستئجار لأنه لا ملك لهم فيها قبل الإحراز والقسمة وشركة الملك هو الذي يمنع من صحة الاستثمار لا شركة الحق كما في حال بيت المال. ويستوي في ذلك إن رضي به أصحاب الحمولة أو أبوا كان بهم غنى تلك الحمولة لأنهم بهذا الإباء قصدوا التعنت فإن في هذا الاستئجار منفعة لهم من حيث إنه لم يحصل لهم الأجرة بمقابلة منفعة لا تبقى لهم بدون هذا الاستئجار وفيه منفعة للغانمين أيضاً فكانوا متعنتين في الإباء والقاضي لا يلتفت إلى إباء المتعنت ولأن ابتداء الاستئجار وبقاء الإجارة عند تحقق الحاجة صحيح من غير الأمير فمن الأمير أولى. وبيانه في استئجار السفينة مدة معلومة إذا انتهت المدة أو مات صاحب السفينة والسفينة في لجة البحر. وكذلك استئجار الأوعية لحمل المائع فيها مدة معلومة إذا انتهت المدة وهم في المفازة وكذلك إذا استأجر دابة لحمل أمتعة من موضع إلى موضع مدة معلومة فانتهت المدة وهم في المفازة أو مات صاحب الدابة فإنه يبتدأ بالعقد بعد انتهاء المدة ويبقى بعد الموت في هذه المواضع بأجر المثل وبالمسمى في حالة البقاء وكان ذلك لأجل الحاجة فكذلك في الغنائم إذا تحققت الحاجة إلى حملها إلا أن يكون الإمام يقدر على حمل الغنيمة بغير إجبار منه لأصحاب فضل الحمولة فحينئذ لا يتعرض لحمولتهم لأن الحاجة لم تتحقق وقال عليه السلام: " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه " وإن كانت الغنيمة سبياً يقدر على أن يمشيهم فعل ذلك ولم يجبر أصحاب الحمولة لأنه ليس في هذا أكثر من أن السبي يلحقهم تعب في المشي ولأجل ذلك لا يجوز له إجبار أصحاب الحمولة على ما لا تطيب به نفوسهم. وإن لم يقدر على ذلك ولم يكن مع أحد فضل حمولة فإنه ينبغي له أن يحرق بالنار ما يحترق من غير الحيوان وما لا يحترق كالحديد يدفنه في موضع لا يطلع عليه أهل الحرب ومن كان من رجال السبي يضرب أعناقهم وما كان من النساء والصبيان خلى سبيلهم في موضع يعلم أنهم يضيعون فيه وما كان من حيوان ذبحه ذبحاً ثم أحرقه بالنار ولا ينبغي له أن يحرق شيئاً من ذلك وفيه الروح لأن ذلك مثلة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يعذب بالنار إلا ربها " والحاصل أنه بعد ما وقع في يده أحدهما: قطع منفعة المشرين عن ذلك أصلاً والآخر إيصال المنفعة للمسلمين فإن قدر عليهما فليأت بهما وإن عجز عن أحدهما فليأت بالآخر وهاهنا قد عجز عن أحدهما وهو قادر على الآخر وهو قطع منفعتهم عنا لكيلا يتقووا بها على المسلمين بحال. ولأنه مأمور بأن يفعل ما فيه الكبت والغيظ للعدو وفي جميع ما قلنا تحقيق معنى الغيظ والكبت لهم ثم لا يكون هو متلفاً للصبيان وللنساء بتركهم في مضيعة ولكن يكون ممتنعاً من الإحسان إليهم بالنقل إلى العمران وترك الإحسان لا يكون إساءة. ألا ترى أن من مر بامرأة أو صبي في مفازة وهو يقدر على نقله إلى العمران فلم يفعل لم يكن ضامناً شيئاً من بدله وكذلك يصنع بما قام على المسلمين من دوابهم وبما ثقل عليهم من متاعهم. وإذا اشترى الرجل دابة في دار الإسلام وغزا عليها فوجد بها عيباً في دار الحرب فإن كان البائع معه في العسكر خاصمه حتى يردها عليه. لأنه صار مظلوماً من جهته بتدليس العيب فله أن ينتصف منه. وإن لم يكن حاضراً فإنه ينبغي له أن لا يركبها ولكن يسوقها معه في العسكر خاصمه حتى يردها عليه. لأنه صار مظلوماً من جهته بتدليس العيب فله أن ينتصف منه. وإن لم يكن حاضراً فإنه ينبغي له أن لا يركبها ولكن يسوقها معه حتى يخرجها فيردها لأن الركوب بعد العلم بالعيب يكون رضى منه بها فليتحرر من ذلك إلا أن يركبها ليسقيها أو ليسوقها إلى معلفها أو حمل عليها علفها فإن هذا لا يكون رضى منه بالعيب لأنه لا يتمكن من ردها إلا بأن يسقيها ويعلفها فربما لا تنقاد له في ذلك ما لم يركبها فلا يكون ذلك دليل الرضى منه وأما الركوب لحاجة نفسه أو لحمل أمتعته عليها فدليل الرضا منه من حيث إنه انتفاع بملكه فيكون ذلك آية رضاه بتقرر ملكه. ويستوي في ذلك إن لم يجد دابة أخرى أو وجدها لأن العذر الذي له غير معتبر فيما يرجع إلى حق البائع والركوب لحاجته دليل الرضا فيكون بمنزلة التصريح بالرضا. فإن أتى الإمام وأخبره خبرها فقال له الإمام: اركبها فركبها بأمره لم يستطع ردها أيضاً لأنه هو الذي التمس ذلك من الإمام وقد كان متمكناً منه قبل أمره فلا يتغير الحكم باعتبار أمره بعد أن يركبها طائعاً. فإن أكرهه الإمام على ذلك حين خاف الهلاك عليه فإن نقصها ركوبه فكذلك الجواب بمنزلة ما لو تعيبت في يده بآفة سماوية وإن لم ينقصها ركوبه فله أن يردها بالعيب. لأن عند الإكراه ينعدم الفعل من المكره ويصير آلة له إن كان الإكراه بالقتل وإن كان بالحبس والقيد ينعدم به الرضا وإنما كان لا يستطيع درها بعد الركوب لوجود دليل الرضا فإذا انعدم ذلك في الركوب مكرها يتمكن من ردها. وإن لم يكرهه ولكن قال: اركبها وأنت على ردك لها فركبها لزمته وكان هذا القول من الأمير باطلاً لأنه فتوى بخلاف حكم الشريعة وليس بقضاء من جهته لأن القضاء مستدع مقضياً له ومقضياً عليه. فإذا رفعها إلى قاض يعد ذلك فردها بالعيب على طريق الاجتهاد لما قال له الأمير ذلك ثم رفعت إلى قاض آخر يرى ما صنع الأول خطأ فإنه يمضي قضاء الأول ولا يرده لأن القضاء الأول حصل في موضع الاجتهاد فإن ظاهر النصوص الموجبة لطاعة الأمير تخرج ركوبه من أن يكون رضا بالعيب. وكذلك التنصيص من الأمير بقوله: وأنت على ردك يسقط اعتبار دليل الرضا بالعيب منه عند الركوب لأن الدليل إنما يعتبر إذا لم يوجد التنصيص بخلافه. ثم إذا تعذر ردها فإن كان ذلك لوجود دليل الرضا منه لو يرجع بحصة العيب من الثمن وإن كان لنقصان دخلها بأن كان ركبها مكرهاً فإنه يرجع بحصة العيب من الثمن إلا أن يرضى البائع بالرد عليه وهذا لأن دليل الرضا كصريحه ولو أكره على الرضا بالعيب صريحاً لم يسقط به حقه في الرد فكذلك إذا أكره على ما يكون دليل الرضا فإذا انعدم الرضا بقي اعتبار النقصان فكان ذلك حصل بغير صنيع أحد وذلك يمكنه من الرجوع بنقصان العيب إلا أن يرضى البائع بالرد عليه. وإذا أصاب المسلمون غنائم فكان فيها مصحف لا يدري أن المكتوب فيه توراة أو إنجيل أو زبور أو كفر فليس ينبغي للأمير أن يبيع ذلك من المشركين مخافة أن يضلوا به فيكون هو المسبب لفتنتهم وإصرارهم على الكفر وذلك لا رخصة فيه وكذلك لا يبيع من مسلم لأنه لا يأمن أن يبيع ذلك منهم أيضاً فيفضلوا بسببه. وكذلك لا يقسم بين الغانمين لأنه لا يأمن على من وقع في سهمه أن يبيعه من المشركين فيفضلوا بسبب. ولا ينبغي له أن يحرق بالنار ذلك أيضاً لأن من الجائز أن يكون فيه شيء من ذكر الله - تعالى - ومما هو كلام الله وفي إحراقه بالنار من الاستخفاف ما لا يخفى. والذي يروى أن عثمان - رضي الله عنه - فعل ذلك بالمصاحف المختلفة حين أراد جمع الناس على مصحف واحد لا يكاد يصح فالذي ظهر منه من تعظيم الحرمة لكتاب الله - تعالى - والمداومة على تلاوته آناء الليل والنهار دليل على أنه لا أصل لذلك الحديث ولكنه ينظر في ذلك فإن كان لورقه قيمة محي الكتاب وجعل الورق في الغنيمة وإن لم يكن لورقه قيمة فليغسل ورقة الماء حتى يذهب الكتاب ثم يحرقه بعد ذلك إن أحب لأنه لا كتاب فيه وربما يكون في إحراقه بعد غسله المكتوب فيه معنى الغيظ لهم وهو المشركون فلا بأس بأن يفعله. ولا ينبغي له أن يدفن شيئاً من ذلك قبل محو الكتاب لأنه لا يأمن أن يطلبه المشركون فيستخرجونه يأخذون بما فيه فيزيدهم ذلك ضلالاً إلى ضلالهم. وفي هذا التعليل إشارة إلى أنه كان يأمن ذلك فلا بأس بأن يدفنه فيكون دليلاً لقول من يقول من أصحابنا فيما إذا انقطع أوراق المصحف إنه لا بأس بدفنه في مكان طاهر والغسل بالماء أحسن الوجوه فيه على ما ذكر. وإن أراد شراءه رجل ثقة من المسلمين يؤمن عليه أن لا يبيعه من المشركين فلا بأس بأن يبيعه منه الإمام لأنه مال متقوم ولهذا لو باعه جاز بيعه إلا أن كراهة بيعه لخوف الفتنة وذلك ينعدم هاهنا فهو نظير بيع العصير ممن يعلم أنه لا يتخذه خمراً قال مشايخنا: وكذلك الجواب فيما يجده المسلم من كتب الباطنة وأهل الأهواء المضلة فإنه يمنع من بيع ذلك مخافة أن يقع في يد أهل الضلالة فيفتتنوا به وإنما يفعل به ما ذكرنا في هذا الموضع. ولو وجدوا في الغنائم صليباً من ذهب أو فضة وتماثيل أو دراهم أو دنانير فيها التماثيل فإنه ينبغي للإمام أن يكسر ذلك ويجعله تبراً لأنه لو قسمه أو باعه كذلك ربما يبيعه من يقع سهمه من بعض المشركين بأن يزيدوا له في ثمنه رغبة منهم في لباسه أو في أن يعيدوه فليتحرز عن ذلك بكسر الصليب والتماثيل. والذي يروى أن معاوية بعث بها لتباع بأرض الهند فقد استعظم ذلك مسروق على ما ذكر محمد في كتاب الإكراه ثم بينا ذلك الحديث في شرح المختصر. فأما الدراهم والدنانير فلا بأس بقسمتها وبيعها قبل أن تكسر لأن هذا مما لا يلبس ولكنه يتبدل في المعاملات. ألا ترى أن المسلمين يتبايعون بدراهم الأعاجم فيها التماثيل بالتيجان ولا يمتنع أحد عن المعاملة بذلك وإنما يكره هذا فيما يلبس أو يعبد من دون الله من الصليب ونحوها وحكم هذه الأشيلء كحكم ما لو أصابوا برابط وغيرها من المعازف فهناك ينبغي له أن يكسرها ثم يبيعهل أو يقسمها حطباً قال: إلا أن يبيعها قبل أن يكسرها ممن هو ثقة من المسلمين لا يعلم أنه يرغب فيها للحطب لا للاستعمال على وجه لا يحل فحينئذ لا بأس بذلك لأنه مال منتفع به فيجوز بيعه للانتفاع به بطريق مباح شرعاً. وما وجدوا في الغنائم من كلب صيد أو فهد أو بازي فلا بأس بقسمة ذلك بين المسلمين لأنه مال متقوم يجوز الانتفاع به بطريق مباح شراعاً ولهذا جوز علماؤنا رحمهم الله ببيعه واستدل عليه بحديث إبراهيم قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البيت القاصي في الكلب يتخذونه يعني للحرس ". ثم شبه الكلب بالهرة وبيع الهرة جائز لأنه منتفع به وإن ككان لا يحل أكله فالكلب المنتفع به مثله. ومن وجد الغزاة في دار الحرب فهداً أو بازياً لأو صقراًغير مملوك لأحد فأخرجه إلى دار الإسلام فإنه يجعل ذلك في الغنيمة لأن هذا مال متقوم بعد إخراجه وهو لم يتوصل إلى المكان الذي أخذ ذلك فيه إلا بقوة المسلمين فعليه أن يجهل ذلك في الغنائم. بمنزلة ما لو أخذه من بعض المشركين ونظيره ما تقدم فيما إذا وجد كنزاً أو معدناً في دار الحرب واستخرج منه مالاً. وكذلك لو استخرج من البحر لؤلؤاً أو عنبراً في موضع من دار الحرب فإنه يرد ذلك كله في الغنيمة لأنه ما توصل إلى ذلك إلا بقوة المسلمين. وكذلك إن أصاب سمكاً في ذلك الموضع إلا أنه لا بأس بأن يتناول السمك ويطعم أصحابه كما هو الحكم في طعام الغنيمة. وكذلك لو اصطاد بكلب أو فهد أو بازي من الغنيمة فإن ما يصاد به يكون من جملة الغنيمة إلا أنه لا بأس بأن يتناوله كسائر الأطعمة. وأهل الشام يفرقون بين ما يكون من ذلك مملوكاً للعدو يأخذه منهم وبين ما لا يكون مملوكاً فيقولون فيما لا يكون مملوكاً: هو سالم له لظاهر قوله عليه السلام: الصيد لمن أخذه ولأن الغنيمة اسم لمال مصاب بطريق فيه أعلاه كلمة الله وإعزاز الدين وذلك فيما يتملك على المشركين بطريق القهر أما ما يؤخذ من المال المباح الذي هو تافه بين الناس فإنه لا يكون غنيمة وبهذا الحرف يفرقون بين هذه الأشياء وبين ما ليس بتافه كالذهب والفضة والعنبر واللؤلؤ. ألا ترى أن ما يوجد في دار الإسلام مما يكون تافهاً كالصيد والحطب والحشيش لا يجب فيه الخمس وما لا يكون تافهاً كالذهب والفضة المستخرجة من المعادن يجب فيها الخمس وكذلك اللؤلؤ والعنبر على قولهم بخلاف السمك. إلا أن نقول: ما أصيب في دار الحرب بقوة الجيش فإنه يكون من جملة الغنيمة وفي هذا يستوي ما كان مملوكاً لهم وما لم يكن مملوكاً لهم لأن دار الحرب موضع ولايتهم وفي إصابة ذلك في موضع ولايتهم معنى المغايظة بهم فإذا حصلت تلك الإصابة بمنعة الجيش يكون حكمها حكم الغنيمة. ألا ترى أن الغزاة لو استخرجوا من بعض جبالهم الياقوت والزبرجد فإنه يكون ذلك ذلك غنيمة وإن كان المسسلم لو لو وجد شيئاً من ذلك في جبال أرض الإسلام لم يكن فيه خمس على ما قال عليه السلام: ليس في الحجر زكاة وهذا كله حجر إلا أن بعض الأحجار أضوأ من بعض فعرفنا أن ما يوجدم ذلك في دار الحرب فيخرج بقوة الجيش لا يكون قياس ما وجد في دار الإسلام. ولو أراد الغازي أن يصطاد بكلب أو فهد أو بازي من الغنيمة فذلك مكروه له لأنه انتفاع بما هو من الغنيمة من غير حاجة فهو بمنزلة ركوب الدابة ولبس الثوب من الغنيمة. فإن أرسله فذهب ولم يعد إليه فلا ضمان عليه فيه لأن أكثر ما فيه أنه بالإرسال مستهلك له ومن استهلك شيئاً من الغنائم في دار الحرب لم يضمن. ولكنه يؤدب على ذلك إن فعله بغير إذا الأمير فهذا مثله. ولو وجد في الغنائم فرس مكتوب عليه: حبيس في سبيل الله - تعالى - فإن كانوا إنما وجدوا ذلك في عسكر المسلمين أو بالقرب منه بحيث يكون أغلب الرأي فيه أنه للمسلمين فهو بمنزلة اللقطة فالسبيل فيه التعريف بمنزلة ما لو وجد ذلك فبدار الإسلام ولا يكون حبيساً بما عليه من السمة لأن السمة ليست بحجة حكيمة ألا ترى أنه لا يستحق بها الملك ولا اليد. وإن وجدوا ذلك في موضع هو في يد أهل الحرب مما يكون غالب الرأي فيه أنه للمشركين فإن هذا غنيمة كسائر الغنائم لأن بهذه السمة لا يثبت استحقاق شيء في الحكم فوجدها كعدمها فيحتمل أن يكون المشركون فعلوا ذلك ليلبسوا على المسلمين إذا خرج بعضهم إلى المعسكر عيناً يتجسس أخبار المسلمين والمحتمل لا يكونحجة. والدليل عليه أن مثل هذا الفرس لو كان في يد مسلم يبيعه لم يمنع من بيعه باعتبار هذه السمة فبهذا يتبين أن السمة لا تكون حجة في الأحكام. ولكن لو شهد قوم من المسليمين أنه من الخيل الحبس وقد حضر صاحبه الذي كان في يده فإن الإمام يرده إليه قبل القسمة وبعد القسمة بغير شيء لأن على قول م يجيز الوقف الفرس الحبيس كالوقف في الحكم لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولا يتملكه المشركون بالإحراز ولا المسلمون بالأخذ منهم فيجب رده على القيم الذي كان في يده وتعويض من وقع في سهمه قيمته من بيت المال ورد الثمن على المشتري إن كان باعه الإمام ويكون الحكم فيه كالحكم في المدبر يأسره المشركون ثم يصيبه المسلمون. فأما على قول أبي حنيفة - رحمه الله - فالحكم في هذا كالحكم في غيره من أفراس المسلمين يحرزها المشركون لأن عنده هذا محل للتمليك بالإرث والبيع فيكون محل التمليك بالاغتنام أيضاً. وإذا قسم الإمام الغنائم في دار الإسلام وعزل الخمس ثم أغار العدو على ما عزله للخمس فأحرزه ثم ظهر عليه المسلمون فإن عرف ذلك قبل القسمة رد في الخمس كما كان لأن حق أرباب الخمس تأكد في الخمس كما أن حق الغانمين قد تأكد في الأربعة أخماس. وإن كان لم يعرف ذلك حتى قسم بين الغانمين فهو سالم لهم لأن الإمام لو أخذه لأرباب الخمس بعد القسمة أخذه بالقيمة ولا فائدة لهم في ذلك. ولو كان باعه قبل القسمة ثم علم أنه من الخمس فإن كان باعه بقسمته أو أكثر فهو سالم للمشتري لأنه لو أخذه من يده أخذه بالثمن ولا فائدة لأرباب الخمس. وإن كان باعه بأقل من قيمته فله أن يأخذه بالثمن لأن الأخذ هاهنا مفيد لأرباب الخمس. فإنه يعطي الثمن من الخمس ويجعل ما بقي مقسوماً بينهم وما وجد المسلمون من متاع على ساحل البحر و وجدوا سفينة قد ضربتها الريح فرمت بها على الساحل وفيها أمتعة فإن كان ذلك الموضع الذي وجد فيه من أرض الحرب فهو فيء يخمس سواء كان ذلك المتاع مما يتخذه المسلمون أو المشركون لأنهم إنما توصلوا إلى ذلك الموضع بقوة الجيش فيكون المصاب غنيمة وبأن كان ذلك من متاع المسلمين لا يخرج به من أن يكون غنيمة. كما لو وجدوا ذلك في حصن من حصونهم وهذا لأنه يتوهم أن يكونوا اشتروا ذلك من تجار المسلمين أو أخذوه من المسلمين قهراً أو أحرزوه. وإن وجدوا ذلك في موضع من الساحل هو من أرض أهل الإسلام فالحكم فيه ما هو الحكم في اللقطة ويستوي إن كان ذلك من متاع يتخذه المسلمون أو المشركون إلا أن يكون أكثر الرأي منه أنه كان للعدو فحينئذ يخمس وما بقي يكون للغانمين لأن ما يوجد على ظاهر ذلك الموضع بمنزلة ما يوجد في باطنه. ولو استخرجوا كنزاً من موضع هو من دار الحرب يكون حكمه حكم الغنيمة. وإن استخرجوا ذلك من موضع من دار الإسلام يجب الخمس فيه ويكون ما بقي لمن أصابه سواء كان الموجود من دراهم الأعاجم أو غير ذلك إلا أن يكون أكبر الرأي أن ذلك من وضع أهل الحرب وهذا لأن البناء على الظاهر فيما يتعذر الوقوف فيه على الحقيقة وغالب الرأي بمنزلة اليقين فيما لا يمكن إثباته بحجة أخرى. فإذا دخل المسلمون دار الحرب فدلوا على قبور الكفار فيها الأموال والسلاح قد دفنت معهم فلا بأس بأن يحفروا تلك القبور ويستخرجوا ما فيها وهذه عادة بعض أهل الحر أنهم يدفنون الأبطال منهم بأسلحتهم وأعيان أموالهم ثم في استخراج ذلك منفعة للمسلمين فإنهم يتقوون بتلك السلحة على قتالهم وحرمه قبورهم لا تكون فوق حرمة بيوتهم فإذا جاز الهجوم عليهم في بيتهم لأخذ ما فيها من الأموال فكذلك يجوز حفر قبورهم وهذا لأن هذه الأموال ضائعة والموضع الذي تدفن فيه الأموال يكون كنزاً لا قبراً وبه فارق ما لو أرادوا حفر القبور لنبش أكفان الموتى لأن ذلك ليس بمال ضائع بل هو مصروف إلى حاجة الميت. ثم من استخرج شيئاً من هذه الأموال فهو غنيمة بخمس لأنه ما يوصل إليه إلا بقوة العسكر. وما وجدوا من متاع المشركين أو المسلمين شيئاً قد سقط منهم مثل الوسط والحذاء والحبل فإنه لا يحل لمن كان غنياً أن ينتفع بشي من ذلك ولكنه إن كان من متاع المشركين فهو غنيمة وإن كان من متاع المسلمين فهو بمنزلة اللقطة فإن كان محتاجاً إلى ذلك انتفع به وهو ضامن لما نقصه إذا جاء صاحبه بمنزلة ما لو وجد ذلك في دار الإسلام فإن قيل: فقد جاءت الرخصة في السوط ونحو ذلك كما في حديث ابن معبد الضبي على ما رواه في كتاب اللقطة قلنا: تأويل ذلك في السوط المنكسر ونحوه مما لا قيمة له ولا يطلبه صاحبه بعدما سقط منه وربما ألقاه واستبدل به فأما إذا كان شيئاً له قيمة ويعلم أن صاحبه ما ألقاه بل سقط عنه وهو في طلبه فحكمه حكم اللقطة اعتبار القليل بالكثير. ألا ترى إلى ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ردوا الخيط والمخيط " فقيل له: إن فلاناً أخذ قبالين من شعر فقال: " قبالين من نار " وإذا كان هذا الحكم في الغنيمة فما ظنك في مال المسلمين وقد أشار في الكتاب إلى أن له مخالفاً في المسألة وهم بعض أهل الشام فإنهم يرخصون في السوط ونحوه ثم بين فساد مذهبهم فقال: أرأيت لو كان سوطاً يساوي عشرة دراهم أكان يجوز له أن يتملكه وهو بحيث لو سرقه من صاحبه قطعت يده فيه أرأيت لو كان عشرون سوطاً بهذه الصفة فعرفنا أن الذي لا بأس بأن ينتفع به هو ما ليس بمتقوم ولا يطلبه صاحبه مثل النوى وقشور الرمان وبعر الإبل وجلد الشاة الميتة وما أشبه ذلك فأما ما يعلم أن صاحبه يطلبه فهو بمنزلة اللقطة في يده. والدابة العجفاء التي يعلم أن صاحبها تركها إذا أخذها إنسان فأخرجها فعليه ردها ولا يجعل ذلك بمنزلة السوط يلقيه صاحبه والقايس في الكل واحد إلا أنا استحسنا في السوط لأن صاحبه ألقاه رغبه عنه فقد كان قادراً على حمله وما ترك الدابة رغبة عنها وإنما تركها لعجزه عن إخراجها فلا يزول ملكه عنها بذلك. أرأيت لو كانت جارية مريضة تركها لعجزه عن إخراجها فأخذها إنسان وأحسن إليها حتى برئت من مرضها كان يحل له أن يطأها من غير سبب من أسباب الملك له فيها فلهذا وشبهه أخذنا في الحيوان بالقياس. ولو ادعى الذي في يده الدابة على صاحبها: إنك قلت حين خلت سبيلها: من أخذها فهي له وجحد ذلك صاحبها فالقول قوله مع يمينه لأن دعواه هذا السبب عليه كدعواه منه. فإن أقام البينة أو نكل صاحبها عن اليمين سلمت الدابة للذي أخذها سواء كان حاضراً حين قال صاحبها هذه المقالة أو لم يكن. للحديث الذي روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الهدايا: " من شاء فليقتطع " وقد تقدم بيان هذا الجنس من المسائل وبعد صحة الهبة لما صلحت في يد الموهوب له وسمنت فليس للواهب أن يرجع فيها لأن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع في الهبة.
|